[بسم الله الرحمن الرحيم
يتناقل العديد ممن يقارب مسألة أمر الله سبحانه لملائكته بالسجود لآدم(ع) ويحكمونها برأيهم من دون الالتفات إلى بيان الله سبحانه فيها ، ذلك أن السجود يعد دليلا على الطاعة ، والطاعة إما أن تكون لله سبحانه وبذلك تكون طاعة نافعة صالحة ، أو تكون لمن دون الله سبحانه فتكون ضارة فاسدة ولتوهم أولئك القائلين بأن سجود الملائكة لآدم(ع) هو سجود تكريم يتوهمون أنهم بذلك ينزهون الخالق سبحانه ، ويحفظون للمخلوق كرامته ، وواقع الحال هو غير ما ذهبوا إليهتماما ، فليس أمر الحق سبحانه بالسجود لآدم(ع) هو تكريم له ، ولو كان تكريما لما كان آدم مُختبراً ومبتلى كسائر المخلوقات ، ذاك أن التكريم يعني الجائزة ، وكما هو fمعلوم فالجائزة لا يعقبها امتحان ، وإنما هي عاقبة الامتحان ، فمن يتوهم أن السجود لآدم(ع) كان تكريماً فعليه أن يجد لامتحان آدم(ع) فيما بعد تخريجاً!!! وسوف لن يجدلقد كانت تلك الفكرة التي أشيعت في التراث الفكري المسلم ثمرة لعزوفfoالمسلمين عن التمسك بحبل الله سبحانه ، وعصيانهم لما أمرهم الله سبحانه به وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْfفَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ
شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(آل عمران/103) ، ومعلوم أن للحبل طرفين ؛ طرف بيد اللهسبحانه وهو كتابه المجيد ، وحبل بيد الناس وهم عترة محمد(ص) ، وتلك الآية بينتها سنة رسول الله(ص) حيث قال(ص) [أيها الناس إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا]ولن تزلوا ؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كإصبعي هاتين وجمع بين سبابتيه ، ولا أقول كهاتين وجمع[/بين سبابته والوسطى فتفضل هذه على هذه .](تفسير نور الثقلين للشيخ
ولأن طرفي الحبل لا تفاضل بينهما كان الاعتصام بهما اعتصام بحبل الله سبحانه وتمسك به ، ولذلك فقول القائل (حسبنا كتاب الله)!!! هو كما قالالحق سبحانه واصفا إياه بقوله عزَّ وجل{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}(الأنعام/112) ، وتلك الفرية كانت ثمرة من ثمار سقيفة بني ساعدة التيكانت نقطة تحوّل للمسلمين وانحرافهم عن الإسلام فكراً وعقيدة ، حيث مارس هذا الانحراف سلطة التغيير على ما ينكؤه ، والتبديل لدلالات الأشياء إلى أن وصل الحد بالفكر البشري المسلم عند قراءته لما وصله عن أسلافه من ثمار السقيفة أن يقرر قاعدة[/font غريبة تضرب بالحكمة والعقل ـ الذي يدعون التمسك به ـ عرض الحائط ، وتلك القاعدة تقول ؛ أن لا علاقة محكمة بين الدال والمدلول ، بل هو متروك للناطقين وضربوا لذلك أمثالا غريبة كمثل مفردة (جون) قالوا إنها تعني ؛ أبيض ، وتعني كذلك ؛ أسود!!!
وعلى ذلك المنهج سارت قافلة الفكر المسلم الذي وجهته السقيفة إلى غير الوجهة التي أرادهاالله سبحانه له ، ولكي يتم لصناع السقيفة ما يأملون راحوا يزخرفون القول ، فبدا ما هو زخرف لا قيمة فيه وله بالسلطة هو القول المعتمد ، وأضحت مقالة الحق مستضعفة مأسورة ، لا أذن تسمعها ولا واعية تعيها ، واتبع الناس ما تشابه من الأمور ليحكموها بآرائهم وأهوائهم ، متغافلين عن قوله تعالى {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُمُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}(آل عمران/7) ،
وهذا ما حصل في سقيفة بني ساعدة حيث عمد الذين في قلوبهم زيغ إلى ما تشابه منه ليمارسوا عليه ما لم يجعله الله سبحانه فيهم ، حيث قاموا بتكلف تأويله ، وتأويله مناط بغيرهم ممن جعل الله سبحانه لهم سلطانا ، وفرض على الناس طاعتهم ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما ادعوا أن التأويل لا يعلمه إلا الله سبحانه حسب وقطعوا علمه عن الذين آمنوا ، ولذا كان ينبغي عليهم أن يكونوا أول الملتزمين فيه بما أنهم هم من قرره ، إلا إنهم أول من تمرد عليه وراحوا يؤولون كلام الله سبحانه من دون سلطان أتاهم ، ومن صور التأويل تلك ما قالوه في سجود الملائكة لآدم(ع) على[/fأنه سجود تكريم
fولو كان تأويلهم للسجود لآدم(ع) صحيحاً وسليماً ، لكان عتراض إبليس(لع) وامتناعه عن السجود منطقياً ، حيث أنه كان يرى على وفق ما توفر من معطيات لديه ؛ إنه أحق بالتكريم من آدم(ع) ، فهو من رفعه الله سبحانه من مرتبة الجن إلى مرتبة الملائكة ، فقد ورد عن أمير المؤمنين(ص) قوله [ولو أراد الله أن يخلق آدم fمن نور يخطف الأبصار ضياؤه ، ويبهر العقول رواؤه ، وطيب يأخذ الأنفاس عرفه لفعل ، ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة ، ولخفت البلوى فيه على الملائكة . ولكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله تمييزا بالاختبار لهم ، ونفيا للاستكبار عنهم ،وإبعادا للخيلاء منهم ، فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذا أحبط عمله الطويلوجهده الجهيد ، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة لا يدرى ؛ أمن سني الدنيا أم سني الآخرة عن كبر ساعة واحدة؟ فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصية؟
كلا ، ما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشرا بأمر أخرج به منها ملكا إن حكمه في أهل السماءوأهل الأرض لواحد وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرمه على العالمين فاحذروا عباد الله أن يعديكم بدائه ، وأن يستفزكم بندائه ، وأن يجلب عليكم بخيله ورجله . فلعمري لقد فوق لكم سهم الوعيد ، وأغرق لكم بالنزع الشديد ، ورماكم من مكان قريب . وقال{رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين} قذفا بغيب بعيد ، ورجما بظن مصيب . صدقه به أبناء الحمية ، وإخوان العصبية ، وفرسان الكبر والجاهلية . حتى إذا انقادت له الجامحة منكم ، واستحكمت الطماعية منه فيكم ، فنجمت الحال من السر الخفي إلى الأمر الجلي . استفحل سلطانه عليكم ، ودلف بجنوده نحوكم . فأقحموكم ولجات الذل ، وأحلوكم ورطات القتل ، وأوطأوكم إثخان الجراحة طعنا في عيونكم ، وحزا في حلوقكم ، ودقا لمناخركم ، وقصدا لمقاتلكم ، وسوقا بخزائم القهر إلى النار المعدة . فأصبح أعظم في دينكم جرحا ، وأورى في دنياكم قدحا من الذين أصبحتم لهم مناصبين وعليهم متألبين . فاجعلوا عليه حدكم ، وله جدكم ، فلعمر الله لقد فخر على أصلكم ، ووقع في حسبكم ، ودفع في نسبكم ، وأجلب بخيله عليكم ، وقصدcolor=#444455][font=Arial]برجله سبيلكم . يقتنصونكم بكل مكان ، ويضربون منكم كل بنان . لا تمتنعون بحيلة ، ولا تدفعون بعزيمة . في حومة ذل . وحلقة ضيق . وعرصة موت . وجولة بلاء . فأطفئوا كمن في قلوبكم من نيران العصبية وأحقاد الجاهلية ، فإنما تلك الحمية تكون في المسلم من خطرات الشيطان ونخواته ، ونزغاته ونفثاته .](نهج البلاغة:2/138-141) ،